14 نصيحة لحماية ابنائك من العقد النفسية

الوقاية من عقد نفسية
shareTweet about this on Twitter4Share on Facebook255

                               …………….

حين سألتني فتاة حديثة الزواج: “ما أهم نصيحة توجِّهينها للأمهات؟”، قلتُ بلا تردد: “احذري على ابنك من العُقد النفسيَّة”، بل أقول لكم: “لا ضير إن نشأ الصبي أنانيًّا أو بخيلاً أو طماعًا… مقابل ألا ينشأ معقَّدًا نفسيًّا!”. نعم، هذا ما اكتشفته بالخبرة “العقد النفسيَّة تعني إعاقة دائمة مدى الحياة”، ولا تعجبوا؛ فالعُقَد تجعل صاحبَها متشائمًا، يتوقَّع دائمًا الشرَّ، ويَنتظِر المصائب أن تَحيق به ، ويتوجَّس من كلِّ شخص يَقترِب منه بأنه سوف يُخبِره بنبأ مُكدِّر، أو يُلفِّق له تهمة، أو يَحيك له مؤامرة، فالطفل الذي كان يُخوَّف بالطبيب أو الشرطي، يَظلُّ خائفًا منهما مهما كَبِر، ومهما عَلتْ درجاته العِلميَّة وقيمته الوظيفية ، أما الصفات السيئة الأخرى (الغرور، الطمع…)، فإن مرورَ الأيام وازدياد الخبرة بالحياة وتقوية الارتباط بالله لكفيلة بإزالتها – إن شاء الله.

[اقرئي أيضا : هوم سكولينج homeschooling قصة حقيقة]

[اقرئي أيضا : انتِ عصبية؟]

فالرجل المعقَّد نفسيًّا تَكثُر ثوراته وسقطاته، ويكون مُتحفِّزًا فيغضب فجأة إن مسَّ أحد عقدته ولو مسًّا خفيفًا، فمثلاً لو شعر شاب بأنه جبان ومتخاذل، وتحوَّل شعوره إلى عقدة نفسية، فإن مِثْل هذا لو قيل له على سبيل الدُّعابة: أنت غير قادر على التصرُّف، أو سلوكك يُفسر ضعفًا وخَوَرًا، فإنه سيتأثَّر كثيرًا ويتألَّم ويُحبَط، وسيتراجعُ أدَاؤُه لأيام، صدِّقوني! ولو قالت له زوجته – مستقبلاً – عَقِب خلافٍ بسيط: لو كنت رجلاً، طلقني، فإنه سيُطلِّقها فورًا لينفي الجبنَ والترددَ عن نفسه، ولو قال له أقرانه: لماذا لا تشاركنا التدخين وكلنا ندخِّن إلا أنت؟ فهل تخاف من والدك؟ فإنه سيستجيب ويُدخِّن (ولن يُبالي بمبادئه!)؛ لأنهم لامسوا جُرْحَه، ودخلوا إليه من نقطة ضَعْفه. فأي قوة للعُقْدة النفسيَّة وأي سيطرة!

والمعقَّد نفسيًّا يُحمِّل كلَّ الناس مسئولية ما يحدث له ، ويَنتقِم منهم في كلامه وسلوكه، وتكون ردود فِعْله أن يَحتقِر ويتكبَّر أو يُفحِش في القول ويَنتقِص من الناس ويُكثِر اللومَ، أو يتصرَّف بلا مبالاة، أو ينزوي وحيدًا كالأطفال ويتهرَّب من المسؤولية، وهذه الصفات قادحة في شخصية الإنسان.

والعُقْدة هي ما تَغلغَل في النَّفس وظهر في السلوك بشكل دائم، وبالتالي لا يعتبر “أي سلوك شاذ” عقدة نفسيَّة؛ إذ جاء في مباحث عِلْم النفس: الفرد السوي ليس هو الخالي من العيوب، بل هو الشخص الذي يستطيع – تعويضًا عن عيوبه – الإفادة من مزاياه، وهو الذي يستطيع أن يُصحِّح أخطاءه، ويتحكَّم في اتجاهاته تحت الظروف العادية، وهو الذي يُدير أوجهَ ضَعْفه وقوته بحيث يتلاءم ويتكيَّف مع البيئة، فكلنا نتصرَّف أحيانًا قليلة بطريقة شاذة أو غريبة، وهذا عَارِض طبيعي، والمهم ألا يصبح الشذوذ والغرابة صفة دائمة.

وأوضِّح العقدة النفسية بمثال، الإنسان بشر يتضايق ويكره ويغضب ويخاف، وقد يَحقِد على معلِّمه؛ لأنه ضربه أمام زملائه ظُلْمًا، وأهان كرامته، وقد يُقاطِع أمَّه؛ لأنها خانت أباه، ويَخجَل من قرابتها منه، وقد يكره ابن عمه؛ لأنه يتكبَّر عليه بماله، ولكن إذا وصل الأمر به لأن يَحقِد على كل معلم، أو يشك في كل امرأة، أو يشعر بالنقص أمام الأثرياء، ويَكْره كلَّ غني في العالم، فهذه هي العقدة النفسيَّة. والشخص السوي يستطيع أن يرى نفسه والعالَمَ بصورة صحيحة مستقلَّة عن شخصيته وحاجاته، فيَحتفِظ بتماسك مستمرٍّ يُبقي نفسيَّته سليمة وسلوكه معقولاً، وأفكاره مقبولة.

ولكي تربِّي طفلاً سويًّا (خاليًا من العقد) عليك أن تكوني – أنت وزوجك – أسوياء! -واعذِراني في هذا – فتنبِذا رواسبَ الطفولة وآلام الماضي، وتتصرَّفا بعقل وعدل ونُضْج مع أطفالكما، وتتَّبِعان السبيلَ الصحيح في التربية والتوجيه، ستسألين: كيف؟ وسأقولها لك باختصار:

  1. أظهري اهتمامَك بطفلك قبل أن يضطرَّ هو للفتِ انتباهك إليه، أشعِرِيه بحبك الخالص الصادق فيسترخي، وبالأمن فيطمئن، وبالقَبُول فيرضى عن ذاته، وبالمساواة بينه وبين إخوته فيشعر بالعدل ولا يَغار، وبالتقدير وبالاحترام فيَثِق بنفسه وترتفع معنوياته، وتَسَامَحي معه حين يخطئ فيصبر ويَحتمِل.

  1. تفقَّدي طفلَك طول اليوم، وكوني معه رُوحيًّا وفِكريًّا؛ فاهتمي به رضيعًا، ولا تؤخِّري حاجاته الأساسية (طعامه ونومه)؛ لكي يشعر بالاطمئنان والراحة ويَركَن إليك، واحمليه برفق وحنان وضُميه إلى صدرك، واعتني به بنفسك ولا تدعيه لإخواته ولا للخادمات، كوني – وبقدر استطاعتك – وَدُودة وهادئة وسعيدة بخدمته. وقبل بلوغه العامين رافقيه أكثر الأوقات: يلعب أمامك، ويأكل بحضرتك، ويخرج بصحبتك، وقُرْبك منه وكلامك معه لهما أثرٌ كبير على استقراره وهدوئه. وحين يَكبَر قليلاً احتويه وتحملي ما يَصدُر منه، وعبِّري له عن عواطفك باستمرار، ولا تبتعدي عنه فترات طويلة أو تنشغلي كليًّا عنه؛ ليشعر بالأمان، والأمان سيعطيه الثقة بنفسه والقوة في مواجهة الصِّعاب.

  1. حين يكون ابنك مريضًا، متألِّمًا، حزينًا… تتضاعف حاجته إليك، أنت أمه، وإلى حبك ورعايتك واهتمامك، ومن حقِّه عليك أن يجدك، وقوفك إلى جانبه وحمايته من مخاوفه واجب عليك، فلا تُهمليه في هذه اللحظة مهما كانت مشاغلك ومشاكلك، فإن أعرضت عنه انصرف عنك هو الآخر، وانطوى على نفسه، وتجنَّبي أيضًا الرأفة الزائدة التي تجعله – هي الأخرى – هشًّا أمام تقلُّبات الحياة، ولا يستطيع الصراع معها، صغيرك يحتاج إلى العواطف الداعمة المُنتِجة، وليس إلى الميوعة والإفساد والاتكال عليك.

  1. لا تستهتري بأحزانه؛ لأن همومه بحجم عمره، وعجزه عن “تركيب قِطَع لعبته” قد يعني نهاية العالم بالنسبة له! وستعرفين آماله وآلامه من تعليقاته وكلامه.

  1. اتركيه ليُعبِّر عن نفسه وقتما يشاء ولا تكبتيه بقولك: “اسكت أو قُلْ بسرعة”، ولا تهمليه وتتشاغلي بالعمل فيشعر بالنَّبذ، فقط ألقي بالاً لكل ملاحظة تسمعينها؛ فإن قال لك ابنك الكبير: “لماذا تطلبين مني دائمًا قضاء الحاجات ولا تطلبينها من أخي؟ … فهذه إشارة غَيرة، والغَيرة تتحوَّل إلى عُقْدة، وإذا سألك أحدهم: لماذا تقولين لي أنا بالذات: أنت بطيء؟، فهذه إشارة إلى عُقْدة نَقْص قد بدأت تتكوَّن في داخله، وإذا سمعته يقول: أبي مشغول عني بعمله وأصحابه، وحين أطلب منه شيئًا يقول: فيما بعد، فهذه إشارة إلى شعوره بالهضم والتهميش. وانتبهي لكلامه، فإن كرَّر على مسامعك خوفًا أو أبدى قلقًا على أمر ما، أرعيه انتباهًا، فما لا تُلقين له بالاً قد يكون ذا شأن كبير، وقد يؤثِّر في صحة ابنك النفسية، فعليك مساعدته على تَجاوُز الأزمة؛ لئلا تُصبح حالة دائمة.

  1. استشعري “وضْع طفلك” من نظرة أو إيماءة أو إشارة، وفي لَحْن القول، والألفاظ والمعاني التي يُردِّدها، الأحلام التي يراها في نومه أو حتى أحلام اليقظة التي يتكلَّم عنها، طريقته في التعامل مع إخوته، أو من طريقته في اللعب حين يلعب وحيدًا (هل يكون عنيفًا أم ودودًا؟ ما العبارات التي يردِّدها؟ ما اللُّعَب التي يُفضِّلها؟ افهميه ولا تُلقي عليه المواعظ وهو متأثِّر أو متوتِّر. الطفل يبكي، يصرخ، يَعترِض، ويَمُر بفترة تأزُّم تتمثَّل في الطيش مثلاً، وعدم التسامح مع أقرانه)، وكله طبيعي ، استمعي إلى شَكاته، وابحثي عن سبب الفعل (غَيرة، عِناد، شعور بالكَبْت)، وعالجيه قبل أن يتحوَّل إلى عقدة، وحُلِّي مشكلاته؛ لئلا ينشأ حقودًا، ولا تتكلَّمي عن الناس أمامه بحقد وغضب، فيسخط عليهم ويَكْره معاشرتهم.

  1. بعض العوارض تكون بمثابة إشارات تحذيرية للأم؛ فمحاولة الصغير لَفْت انتباهك بالحركات والكلام وكثرة المشاغبة تنبيه لك وتحذير مُبكِّر عن معاناته، والتمارض دليل لا ينبغي إهماله، وكذلك الانزواء والانطواء، وحتى الخجل الزائد – كلها دليل على منطقة ضَعْف في نفسيته، فتجنَّبيها تارة، وداويها تارة أخرى، أقصد تجاهَلي وضْعه في بعض المرات، وتصرَّفي معه بشكل طبيعي وشجِّعيه على الإقدام في مرات أخرى. وإذا استيقظ في الليل مذعورًا أو شكا من الكوابيس، فهي دَلالات وإشارات… فاجلسي على طرَف سريره، واقرئي له المعوِّذات، واستعيني بالدعاء، وطمئنيه بالكلام الهادئ اللطيف، وهذا يمسح همومَه، ويُزيل جروحه، ويُقوِّي علاقتَك به، فيستمد منك القوة والأمان. ولا تجعلي لكل واحد من أولادك الذكور غرفة نوم مُنفصِلة، وإنما ينامون كلهم معًا في غرفة واحدة، فهذا يبعث على الاطمئنان، ويقوي علاقة الإخوة بعضهم ببعض.

  1. إذا وصلت الأمور لأكثر من ذلك كان الوضع أخطر؛ كالتخريب والإفساد في الممتلكات، وأيضًا في قَضْم الأظفار، والتأتأة، أو ترديده لبعض الجُمل بشكل دائم: “أنا سيئ”، “أنا لا أستحق الحب”، “أنا عديم الفائدة”، “ليس بإمكاني عمل شيء”. وكل ما سبق بداية وبذور لعقدة نفسيَّة كامنة، وإن لم تُعالَج في حينها استفحلت وصَعُب علاجها، وقد يَستحيل، فانتبهي لكل سلوك خاطئ وكل عصبية زائدة، وعالجي الموقف قبل أن يتفاقم.

  1. كوني واضحةً في كل توجيهاتك، ولا تكوني متردِّدة ولا فوضوية في طلباتك وأوامرك؛ لئلا يتحيَّر ابنك ، ولهجة حديثك مهمة جدًّا ليعرف ماذا تريدين: عتاب، غضب… بَيِّني لصغيرك ما ينبغي أن يكون عليه في نقاط قليلة مفهومة؛ ليتسنَّى للصبي اتباعها والحرص عليها، وكرِّريها كلما احتاج الأمر؛ فالصغير يلهو وينسى.

  2. علِّميه كلَّ الآداب في وقتها المناسب (عند الطعام: “كُلْ بيمينِك”، عند زيارة الأقرباء: “اقرعِ الباب قبل الدخول”…)، وينبغي أن تكون قوانين البيت ثابتة وواضحة للصغير، والممنوع ممنوع في كل يوم وفي كل وقت، وعليه الالتزام بالأوامر القطعيَّة ومن دون تَردُّد، وما يُزعِجك اليوم هو نفسه ما يُزعِجك أمس وغدًا

  3. ولأوضِّح أكثر أقول: لا تسمحي لمزاجك بسوقك إلى تشتيت ابنك، بحيث لو كنتِ في مِزاج جيد سكتِّ عن الخطأ، وإذا كنت غاضبة نفَّستِ عن غِلَّك بضرب الصغير ومعاقبته، فتلومينه على الشيء اليوم وتتركين اللوم غدًا، أو تغضبين من صنيعه هذه اللحظة، وتبتسمين له لو فَعَلها بعد ساعات، هذه ذبذبة تُحيِّر الصغيرَ، فلا يعرف حدوده، ويَظنُّك هازلة أو ذات انفصام بالشخصية، مثلاً: لا تسمحي باللعب بأدوات الزينة دائمًا وأبدًا، واجعليها قاعدة لا يَخرِمها أي شيء، وإذا استمرَّ الأمر على نَفْس الوتيرة يستجيب الصغير، ويفهم ويمتنع عن خَرْق القانون.

  4. ومثلها لو قلت شيئًا أو أصدرت أمرًا، وقال زوجك عكسه وخالفك، فذلك يُربِك الطفلَ، ولا يدري لمن يستجيب فيكما.

  5. كلما استجاب طفلك لأوامرك أو التزم بقوانين البيت والمدرسة شجِّعيه بالكلام الجميل، فقولي: جيد، أو ممتاز أو رائع أو ظريف… وأكثري من هذه الكلمات اللطيفة في المواضع المناسبة ليَفهَم ويَمتثِل.

  6. الزمي الهدوء قَدْر الإمكان في تفاعلك وردود فعلك، ولا تكوني أمًّا عصبية تَصرُخ فجأة وتثور (لكل تَصرُّف) فتُفزِع ولدها، ويتفاجأ ابنك بغضبك، ولن يُدرِك أنه أخطأ! فضلاً عن تقدير حجم الخطأ؛ (لأنه صغير وجاهل، وقد يُغريه فضوله فينساق مع رغباته وينسى توجيهاتك)، فإذا أخطأ ذكِّريه بهدوء ليَستوعِب ويستجيب، وتجاوزي عن هفواته وأخطائه الصغيرة، (إن أفسد أمرًا بلا قصد، أو قال كلمة غير مناسبة وهو لاَهٍ). وإذا أقدم على أمر لا يُرضيك عاتِبِيه برِفق وعلى الفور. ولكِ الحق في الغضب والصراخ حين يَستحقُّ الوضع، أُكرِّر حين يَستحِقُّ الوضع، (وليكن ذلك قليلاً ونادرًا)، عندها اغضبي، وغضبك هنا له فائدتان: فهو يُنفِّس عنك من جهة، ويردع السلوكَ السيئ من جهة أخرى، ولكن لا تجعلي ابنك (مفشة) لهمومك، وقدِّمي لغضبك بحيث يتجهَّم وجهك، وتتركَّز نظرتك، ثم يرتفع صوتك شيئًا فشيئًا، ولا تنفجري فجأة بالصراخ. واعتذري منه إن غلطت بحقه؛ ذلك ليعلم أنك لست مُنزَّهة عن العيوب، وتُخطئين كما يخطئ فلا يُقدِّسك، وإذا شعر ببشرِيَّتِك تقبَّل توجيهاتك وإن أخطأت، ورضي باتباع نصائحك ونفَّذها ولو أهملتها أنت، وسوف يحبك ويُقدِّرك ولو قصَّرت، ولن تَخسري عواطفه واحترامه أبدًا. والخلاصة: ربِّي ولدَك وعاقبيه، ولكن حافظي خلال ذلك على “ثِقَته بنفسه”، والثقة ضرورية جدًّا للرجل لتُعطيه الأمانَ والاستقرارَ، فيقوم بواجباته ويُشيع الطمأنينة على من حوله.

 

عابدة المؤيد العظم

Be first to comment