.
لفت نظري في الفترة الأخيرة مقالة في مجلّة مج لاتيه بعنوان (سِتْ بيت.. وأفتخر) للزميلة هبة سمير، وهي تحكي قِصّتها ورأي الناس فيها، وتقول: “لو إنتي سِت بيت مابتشتغليش، احتمال كبير، تكوني دايمًا حاسّة بإنّك أقل من الستات إللي بتشتغل، وإنّك لازم تبرّري للمجتمع قعدتك في البيت، وإن الفرق بين الست إللي بتشتغل وإللي قاعدة في البيت زي الفرق ما بين الإنسان المتحضّر والإنسان البدائي، وبتتحرجي قوي لمّا قرايبك أو صحابك يكلّموكي عن الكيان، والاستقلالية، والفلوس، وساعات يحسسوكي إنّك متخلّفة، وغير منتجة، وعالة علي المجتمع”.
فى الحقيقة أردت أن أوضِّح حقيقة الأمر، فليس فقط سيّدات المنزل هُنّ المُتّهمات في نظر الناس، و لسن هُنّ وحدهن من يُلقى عليهنّ اللوم، فالأُمّ العاملة أيضًا تقع فريسة للعديد من الاتهامات المُهينة والتعليقات والأسئلة التي تُشعِرها بكثيرٍ من الحَرَجْ، مثل؛ “كيف تعملين وتتركين طفلكِ للمُربّية؟”، “دي أكيد قاسية ومعندهاش قلب!”.. أو سماع التعليق المنتشر من سيّدات المنزل، وهو أن الأُمّ العاملة امرأة أنانية، فضّلت نفسها وطموحها على أن تهتم بأولادها، وأيضًا اتهامات بأنّكِ ماديّة ولا يهمُّكِ مصلحة أولادكِ.
وإذا كُنتي تتركين طفلكِ بالحضانة، فأيضًا أنتِ مُخطئة، فتجدين من يقول لكي: “إزّاى يجيلك قلب تاخدى طفلك، وتلقي به في حضانة وسط الأطفال الأخرى، إنتي مش خايفة عليه من الأمراض والعدوى؟!”. أمّا إذا كُنتي تتركيه مع والدتكِ أو والدة زوجكِ، فسوف تسمعين التعليق الشهير: “دي رامية ولادها لأهلها ومش سائلة فيهم”، وهذا بالإضافة إلى أنّكِ بالتأكيد امرأة مُهمِلة في بيتكِ، وبالتأكيد لا تُجيدين الطهي، وأولادكِ سوف يصبحون مُعَقّدين وبلا أخلاق!
“ما هو هتجيب منين وقت تربّيهُم!”.. وهم يلقون بالاتهامات ولا يفكّرون لماذا تعملين؟ فالكثير من السيّدات اليوم، يتم إجبارهن من أزواجهن على العمل؛ لمساعدتهم ماديًّا، وأخُريات لسن مُجبرات، لكنهن يعملن من أجل رفع مستوى الأُسرة أو إلحاق أولادهن بمدارس أفضل. وتجد أخرى تحِلّ مَحلّ الزوج الذي يتوجّب سفره معظم العام، فتحاول ملء أوقاتها بشئ مفيد في الوقت الذي يكون فيه الأولاد في المدارس أو الحضانة. وتجد أيضًا من تعمل لأن زوجها غير قادر على العمل لظروف صحيّة أو لأنه كالكثير قد تم الاستغناء عنه بعد الأزمة الاقتصادية. وتجد الكثيرات يعملن لأن الزوج يريد هذا بشدِّة، فهو مقتنع أن حياته سوف تصبح مريحة أكثر، إذا كانت زوجته تعمل، فتكون الزوجة مهمومة بالمنزل ومشغولة في العمل، ولا تجد وقتًا حتى تطالبه بشئ! وهناك التي تعمل، لأن زوجها يرفض أن يلتزم ماديًّا بمتطلّباتها الشخصية؛ كالملبس والماكياج والعطور، فتجد بعض من الرجال اليوم للأسف، يشترطون قبل الزواج أنهم غير ملزمين بطلبات الزوجة الشخصية! وتجد سيّدات يقتحمن ميدان العمل خوفًا من الوحدة، فماذا تفعل بعد أن يكبر الأبناء؟ وهناك فئة أخرى تعمل، تحسُّبًا لأي ظرف سيء يحدث في المستقبل، فهي تخاف أن تنفصل عن زوجها أو أن يحدث أي مكروه له، فتفضِّل العمل كنوع من تأمين مستقبلها ومستقبل أولادها.
باختصار.. لا أحد يعجبه حال الآخر، ولا يدقِّق النظر في ظروفه قبل اتهامه بشئ، فالسيّدة العاملة وسيّدة المنزل دائمًا مُتّهمان من المجتمع، فأرجو من كل امرأة اختارت العمل أو المنزل، ألّا تبالي بكلام الآخرين، وتفتخر بحالها، وتثق تمام الثقة أنها تفعل ما هو صحيح بالنسبة لها ولأسرتها، وتفتخر بنفسها وعائلتها، وتتذكّر دائمًا قِصّة جُحا وحماره.. فالناس في بلادنا لا تملّ الكلام والنقض الدائم، و لن تستطيعين أبدًا إرضاء جميع الأطراف.
ريهام شريف
بكالوريوس إعلام، الجامعة الأمريكية، ودراسات في علم النفس
موضوعات متعلقة:
ماذا تفعل الأم العاملة بعد انتهاء أجازة الوضع؟



