قصة قصيرة: رحلة فقد الطريقPosted by on

رحلة فقد الطريق

 

جمعت أمرها، عزمت أن تذهب إلى تلك الرحلة.. دخلت المُخيَّم بعد عناء طويل من البحث عنه، فى رحلة “فقد الطريق”، التى يتعرّض لها كل حاج تقريبًا. الشمس حارقة، وهي تتصبّب عرقًا.. تتوق إلى شَربة ماء باردة. أشفقت على صغيرها، الذى بالكاد قد أتمّ عامه الأول. كان وجهه أكثر احمرارًا وإجهادًا منها. ألقت بحقائبها على الأرض. بحثت عن مكانها الخاص، وبدأت تُغيِّر له ملابسه وتطعمه، ثم بعد أن ارتاحت، وأبدلت ملابسها، بدأت تتأمّل المكان.

يا الله!.. خيمة تتكدّس فيها النساء بأطفالهن..لا يتجاوز المكان المُخصّص لكل واحدة أكثر من مترين. وجوهٌ كثيرة.. بُلدانٌ مختلفة.. عاداتٌ وطبقاتٌ شتّى، لكن الهدف واحد..”حج البيت”. جاء وقت وضع الطعام.. التفّ الجميع بعد عناء وجهد حول الطعام يتشاركونه فى حب. حقيقى لا تعرف من بجانبها؟ ولكنها أحبّتها.. أحبّتها لأنها تذكرها بأفضل ذكرى فى حياتها.. وكيف لا تحبّها..فهى رفيقة الحج.. :).

أخذت صديقاتها يمدحون إحداهن.. يقُلن إنها نشيطة وذكية، وتستثمر وقتها، وتعمل و… و… و… وينكرون عليها عدم العمل، وأنها ليست مثل فلانة هذه التى تعمل… وينظرن إليها فى تعجُّب، لأنها آثرت عدم العمل ورعاية صغيرها. هم لا يعلمن أنه قُرّة عينها الذى إذا ذكرته، تكاد تذوب.. فكيف بالبعد عنه؟! لدقائق أخذها الندم على ترك العمل، وترك طموحها، وما كانت تحلم به، وما كانت تخططه لنفسها، و… و… حتى فاقت على تلك الصدمة التى حبست أنفاسها لدقائق!

جلست بجانب رفيقتها التى يتباهين بها. أحبّتها، فقد كانت رفيقة طيبة القلب وحنونة وخدومة. بعد التقرُّب منها، أخذت صديقتها تعرض عليها صور أبناءها الصغار، وهى مبتسمة، ومشتاقة لإنهاء المناسك، والرجوع إليهم لتحتضنهم، ثم أشارت إلى أصغرهم وفى الحقيقة، لم يكن أصغرهم فقط.. بل كان أجملهم أيضًا. أشارت إليه ثم قالت الرفيقة: “ده يحيى الصغيّر”.. ردّت عليها: “ما شاء الله، جميل أوي، ربّنا يحفظهولك”.. ردّت الرفيقة بألم: “ده مركّب صِمام فى المخ”.

نزلت الصاعقة على صاحبتنا، واستدركت ندمها على ما تركت من عمل، أو طموح، أو … أو… فالحقيقة التى نغفلها وننساها؛ أن الكُل مُبتَلى، وإنها أرزاق، ومُقسَّمة بالعدل، فالله أكبر من أن يظلم..الله أكبر من ألّا يعطيكي حقّكِ في الحياة.

إن كان لكِ حق، يكتب لك حرمان من نعمة ما دون ذنب.. (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم).. الله أكبر.. فاحمدي الله على ابتلاءك أيَّا كان، واعلمي أنكِ لستِ وحدكِ، فقد يبدو الشخص أمامكِ ظاهريًّا (سعيد)، لكن والله قد يكون مُبتَلى ابتلاءًا، لو علمتيه، لسجدتى لله شكرًا على ما كتبه عليكي من أقدار.. (لا يكلّف الله نفسًا إلّا وسعها).. ارضي، يرضى الله عنكِ.. وإن سخطتي، فليس لكِ للأسف إلّا السخط.. ولسخط الله أشد.

 

شيماء ممدوح

 

 

مواضيع مختارة

قصة قصيرة: لم تتزوج بعد

قصة قصيرة: في يدي لا في قلبي

يا معندكيش طموح يا معندكيش قلب! لابد أن تكوني أحدي الاثنتين

9 أشياء تحتاجين لاضافتها لحياتك

حتي لا تكوني بطة .. أفكار لتنمية ذاتك و استغلال مهاراتك

 

 

الصورة: Jan Erik Hjelseth

 

 

الصالون

اترك تعليقاً