أولاً: موسيقى طوال الليل
(حك الأسنان في بعضها)
يأتي إليّ صوت الأم والتي تقول: طبيبتي أصحو كل ليلة على أصوات غريبة مصدرها صغيري، وأجده يطحن أسنانه ببعضها وقد يستمر هذا طوال الليل ويتكرر بشكل مزعج جدًا.
اطمئني يا صديقتي الأم فخمسون بالمائة من الصغار يعانون من ظاهرة طحن الأسنان في وقت معين من أوقات النمو وهي ظاهرة عارضة تأخذ وتقها، ثم ينساها الصغير تمامًا وعادة لا تؤدي هذه الظاهرة إلى أية مضاعفات ولكن تؤدي إلى بعض الأعراض المزعجة مثل: الصداع المتكرر، وآلام الأسنان الشديدة والآلام الوجه والخدين، ومن الممكن في الحالات الشديدة عند استمرار هذه الظاهرة لشهور أو سنوات: أن تُبري الأسنان ويحدث لها كسور أو تشققات، ومن الممكن أيضًا حدوث إلتهاب حاد في مفصل الفم عند الالتقاء بالجمجمة.
والآن ماذا نفعل قبل استشارة الطبيب؟
إذا كان طحن الأسنان لا يتكرر كثيرًا فعلى الأم عدم إعارته أي اهتمام، ولكن إذا زاد فعلينا بالآتي:
أولاً: ملاحظة الصغير في أوقات الاستيقاظ فإذا كان «يكز» على أسنانه فيجب علينا لفت نظره بأن يفتح فمه ويبعد أسنانه العليا عن أسنانه السفلى وذلك سوف يريج الفك أثناء النهار.
ثانيًا: تشجيع الصغير على ممارسة النشاط الرياضي والتريض في الهواء الطلق فهذا سيريح الصغير نفسيًا فالتوتر العصبي قد يكون عاملاً مساعدًا لحدوث هذه الظاهرة.
ثالثًا: على الأم تهدئة الصغير قبل النوم ومحاولة الحد من الأنشطة الزائدة مثل الجري والقفز مع إخوته وأصدقائه، ومن الممكن الاعتكاف قبل النوم بساعة في محاولة للاسترخاء بأن تصحب الأم الصغير إلى الفراش، واحتضانه، وقراءة قصة قصيرة أو الاستماع إلى موسيقى خفيفة، مع تشجيعه على التحدث عن نشاطه اليومي أو أية مشاكل قد تقابله.
عليك تحاشي الأم قبل النوم مباشرة فعند نزول الطعام إلى المعدة والأمعاء تنشط أنزيمات الهضم وتعمل أثناء الليل مما يزيد من توتر الصغير.
وأنصح الأم التي يعاني صغيرها من طحن الأسنان بمحاولة محاكاة المحلل النفسي مع الصغير، فإذا كان الصغير مشغولاً بالتفكير في مشاكل مدرسية أو امتحانات أو حتى مباراة رياضية مهمة فسيزيد ذلك من توتره، وعلمي صغيرك الحكمة التي تقول: لا تأخذ همومك معك إلى الفراش، فعلى الأم تشجيع الصغير على ترك الهموم خارج الفراش بأن يخرجها من داخله إليها، وسنلاحظ أن مجرد قوله عما يشغله ينقص من توتره، ولكن هذه عادة جميلة ليست فقط عند من يطحنون أسنانهم ولكن الجميع الأحباء الصغار، فنحن نرى كثيرًا في عصر السرعة والتليفزيون والكمبيوتر، ما أكثر أن ينام صغارنا أمام هذه الأجهزة وليس في حضن الأم الدافئ وبالتالي يأخذون معهم هموم اليوم ومخاوف الغد إلى الفراش.
في الصباح بعد معركة طحن الأسنان:
من الممكن عمل كمادات ماء دافئ بفوطة صغيرة مبللة يدلك بها فك الصغير حتى يشعر بالراحة، ولا مانع أيضًا من قبلة حانية على مكان الألم لها مفعول السحر، وبعد ذلك إذا استمرت هذه الظاهرة، فعليك يا صديقتي الأم استشارة طبيب الأسنان لعمل جهاز بلاستيك يوضع بين الأسنان في المساء لتفادي هذه الظاهرة.
ثانيًا: انقذي الابتسامة الجميلة.
إصابة الأسنان الأمامية
مأساة تحدث عند إصابة إحدى أسنان الصغير الأمامية وهذا حدث متكرر بالذات في الملاعب وحمامات السباحة أثناء اللعب فقد يصاب الصغير بكرة مسرعة أو يصطدم برأس صغير آخر، أو بمضرب التنس، ويأتي الصغير إلى الأم عند عودته بفراغ مكان الابتسامة.. وذلك لأن الأسنان الأمامية هي التي تأخذ الصدمة عادة ويأتيني صوت الأم المنزعجة ماذا أفعل في هذه المصيبة؟
وقبل استشارة الطبيب علينا عمل الآتي:
أولاً: إذا كانت السنة من الأسنان اللبنية وهي الأسنان الأولى قبل التبديل تحت سن ست سنوات فعلينا ألا نفكر في إنقاذ هذه السنة والتي حتمًا سيظهر لها بديل من الأسنان الدائمة، ولكن علينا اللجوء لطبيب الأسنان، إذا كان الطفل صغيرًا جدًا في عامه الأول أو الثاني مثلاً، فمعنى فقد هذه السنة أنه سيستمر لحوالي أربع أو خمس سنوات بدون السنة وذلك لكي يضع الطبيب ما يطلق عليه “بالمسافة” حتى لا تجوز الأسنان الأخرى على مكان السنة، وتتدخل مستقبلاً في نزول السنة الدائمة.
ثانيًا: إذا كانت سنة دائمة فيجب علينا التدخل سريعًا لإنقاذ السنة قبل الذهاب فورًا لطبيب الأسنان وذلك بالآتي:
إذا وجدت السنة المصابة فعلينا التعامل معها برقة شديدة ومسكها من قمتها وليس من الجذر، فإن الجذر مغطى بطبقة رقيقة ويجب علينا الحفاظ عليها حتى تتم إعادة زرع السنة بالفم وأحسن مكان ممكن أن توضع فيه السنة المخلوعة هو مكانها الأصلي، فعلينا إرجاع السنة المخلوعة إلى مكانها في الفك، وذلك بعد غسلها باللبن أو محلول الملح، ومن الممكن اللجوء لمحلول الملح الذي نستعمله للعدسات اللاصقة، وعلينا اللجوء للماء كملجأ أخير، وذلك لاحتواء ماء الصنبور على مادة الكلورين التي تحدث ضررًا بالطبقة الرقيقة ثم إعادة السنة المخلوعة إلى مكانها الذي خلعت منه إذا أمكن وحتى لو أدخلت السنة في اتجاه العكس، فمن الممكن إصلاح ذلك فيما بعد، والغرض من هذا كله هو إعادة السنة لبيئتها ومكانها الطبيعي قدر الإمكان، حتى لا تموت ومساعدة الصغير على الاحتفاظ بها بأن توضع قطعة صغيرة من الشاش أو القماش النظيف حتى يصل للطبيب.
إذا لم تتمكن من إرجاع السنة لمكانها بالذات إذا كان الصغير يشعر بالألم أو بالتوتر الشديد فعلينا وضع السنة في كوب من اللبن لأن اللبن مادة قلوية تساعد السنة على الاحتفاظ بحيويتها ولكن لمدة قصيرة فقط، وكحل أخير إذا لم يوجد لبن فمن الممكن أن تحتفظ الأم بالسنة في فمها هي بين الخد واللثة، وذلك لحفظها في وسط حيوي يحتفظ بالسنة حية أو لف السنة في فوطة أو قطعة قطن مبللة أو في كيس به ماء حتى يحفظها من الجفاف.
أما الصغير فعلينا تهدئته ووضع منديل صغير في مكان الألم أو النزف ثم عليك باللجوء لطبيب الأسنان حتى يستطيع إعادة السنة والقيام بزرعها وإنقاذها إذا أمكن.
ثانيًا: التسنين.. وسنينه
طبيبتي…. صغيري يحتاج إلى علاج نفسي وجدت هذه الكلمات تنساب إلى أذني عبر التليفون ولم أستطع مقاومة الضحك، فأنا أتابع الصغير الجميل البالغ من العمر سبعة أشهر منذ ولادته وألاحظ نموه وتطوره فلم هذا؟
واسأل الأم الهسيترية المنزعجة، ولماذا يا صديقتي الأم؟
وتأتي الإجابة: أصبح صغيري لا يطاق وبالذات في المساء، صراخ متواصل… مزاج متعكر عدم القدرة على مواصلة النوم أكثر من نصف ساعة، قلق مستمر، وأطلب منها الهدوء، وأيضًا أطلب منها أن تضع يدها في فم الصغير عند الفك السفلي، الآن ماذا تجدين؟ تجد الأم مصدر الإزعاج والألم، نعم اللؤلؤ الطبيعي الجديد ومكانه متورم.
صديقتي الأم.. صغيرك لا يحتاج إلى علاج نفسي، فهو يمر بمرحلة شاقة جدًا ألا وهي مرحلة التسنين، وتختلف مرحلة التسنين من طفل إلى آخر، فهناك طفل يمر فيها بهدوء شديد، وتفاجأ الأم وهي تطعمه بالملعقة بالسنة الصغيرة وهناك على النقيض طفل آخر يسنن بكل جوارحه فيأتي بكل سنة صغيرة بعد زوابع وأعاصير وتشعر الأم والجدة والجميع بميلاد كل لؤلؤة صغيرة.
ويبدأ التسنين عادة مع بداية الشهر السادس أو السابع ويسترعى انتباه الأم ميل الصغير لمضغ أي شيء يقع تحت يده وما هذا الشلال المتدفق المستمر من فمه فلعابه يسيل حتى يغرق ملابسه، وينزل هذا الشلال في بدء أشهر القلق وتقلبات المزاج وسبب هذا اللعاب الزائد هو تورم اللثة الذي يدعو الغدد اللعابية لزيادة الإفراز، وتورم اللثة يحدث عند بداية إخراج الأسنان الصغيرة منها، فتكون حساسة جدًا للمس، ولنتذكر معًا إحساس ألم الأسنان عند الكبار، والذي يجعلنا نضطرب ونشعر بالألم ونعبر عن هذا، أما الصغير الذي لا حول ولا قوة فلا يستطيع التعبير إلا بالبكاء المستمر، والمزاج المعكر الذي قد يبدو لنا بلا سبب ولكن سببه موجود.
ويأتي سؤال الأم: ولكن يستمر التسنين حوالي عام ونصف أو عامين، فهل يستمر هذا؟
أخاف عند الاستماع إلى إجابتي من صدمتك يا صديقتي الآم، ولكن الإجابة هي: نعم ولكن لنر سويًا كيف يمكننا التغلب على معركة التسنين:
أتذكر الآن الأميرة الراحلة ديانا زوجة ولي العهد البريطاني في الصورة الرسمية عند تعميد ابنها الكبير الأمير وليم في الكنيسة حيث حطمت هذه السيدة الثائرة العادات والتقاليد الملكية والعُرف عندما بكي صغيرها أمام الملايين فقامت بوضع أصابعها في فمه لتهدئته.. نعم. لا تنفري من هذا التصرف المثالي لإسكات الطفل فدعك اللثة بأصابع الأم هو أفضل علاج، وأحسن راحة للطفل، ويتكرر أمامي كثيرًا في العيادة منظر الصغير الجالس على ساقي أمه وقيامه بأخذ هذه الأصابع الحانية ووضعها في فمه ويبدو عليه الراحة الفورية.
ومن الممكن أيضًا استعمال قطعة من الشاش الملفوف حول الأصبع لتنظيف اللثة والفم، ولتكن أول خطوة لتعليم الصغير عادة غسل الأسنان والعناية بالفم.. ومن الممكن أيضًا إعطاء الطفل قطعة من القماش البشكير المبللة بالماء المثلج فيكون وضعها مثل الكمادات، وإذا استعملنا قالبًا من قوالب الثلج فعلينا لف هذه القطعة بقطعة صغيرة قبل وضعها على اللثة وسيقوم هذا بتخدير اللثة ولكن احذري من تعريض اللثة للثلج العاري الذي يحدث بها التهابات، وهناك بعض اللعب (العضاضات) بها سائل من الممكن تبريده واحذري من تجميده حتى لا يؤذي اللثة، وتخطئ الأم بوضع هذه “العضاضة” في الفريزر فهذا سوف يؤذي اللثة.
أما قبل النوم فعليك إعطاء الصغير أحد مستحضرات الباراسيتامول حتى يقلل من إحساس الصغير بالألم، وهناك أيضًا بعض المراهم التي توضع لتخدير اللثة ولكن ينزعج بعض الصغار من هذه المراهم التي تحدث عندهم شعورًا بالقيء أما زيادة اللعاب فلا يمكن منعه، ولكن نمنع مضاعفاته، لأن تركه يبلل صدر الصغير قد يأتي بإلتهابات للرقبة والصدر، فلتقم الأم بتغيير الفوطة الصغيرة والملابس أكثر من مرة في اليوم، ويجب ألا ننسى أيضًا وجه الصغير فيجب حمايته من هذا اللعاب بوضع كريم ملطف يحتوي على زيوت طبيعية، أو فازلين طبي، بالذات على الخدين.
أما عدم ميل الصغير للطعام فهذا طبيعي، لأن الطعام الصلب يضغط على اللثة فلنعوضه بطعام مريح مثل الزبادي البارد والجيلي، وفي السنة الثانية من الممكن أيضًا اللجوء للآيس كريم فهو غذاء مشجع وفي نفس الوقت منتج من منتجات الألبان.
طبيبتي.. لماذا يأتي التسنين ومعه المرض مثل الإسهال، أو إلتهاب العينين؟
احذري يا صديقتي الأم من تصديق العبارة السابقة والمتداولة بين الأمهات والجدات فالتسنين لا يأتي إلا بالأسنان.
ومعها بعض تغيرات في اللثة واللعاب، وتغير المزاج، ولكن أن تضعي كل ما يحدث لطفلك مثل الإسهال أو القيء أو السعال، أو الارتفاع الشديد في درجة الحرارة على شماعة التسنين فهذا سيؤدي إلى إهمال أعراض بعض الأمراض الشديدة.
ولكن أثبتت بعض الدراسات أن التسنين يقلل من مناعة الصغير، وهذا النقص في المناعة قد يمهد الطريق لبعض الميكروبات الضارة التي قد تصيب الجهاز الهضمي أو التنفسي أو العين.
تحذير:
على الأم عدم اللجوء لإراحة الصغير أثناء التسنين بوضع بزازة مليئة باللبن أو المشروب المحلى فهذه المواد وسط محبب للميكروبات التي تفسد اللؤلؤ الجميل وتأتي بالتسوس المبكر ولنتذكر مرة أخرى أنها فترة وستمر بسلام إن شاء الله.
أستاذ طب الأطفال
جامعة عين شمس
*جميع الحقوق محفوظة




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.