الفصل الرابع أحن أم… ولكن لا لزوم لها (القمل) Posted by on

القمل و شعر الطفل و حشرات الشعر

جاءني عبر سماعة التليفون صوت مضطرب متردد في الإفصاح عما يزعجه ولكن بعد لحظات وجدت الكلمات تنساب إلى أذني: طبيبتي أرى كائنات تتحرك في رأس ابنتي فشعرها فيه ما يشبه قشر الشعر ولكن لا يريد التطاير مع التسريح والتمشيط وأنا خجلة جدًا فماذا افعل؟

هذا يا صديقتي الأم إصابة بحشرة قمل الرأس، وتعطينا هذه الحشرة الصغيرة درسًا كبيرًا في الأمومة، فهي أم حانية جدًا وقمل الرأس حشرة تعيش على امتصاص دماء فروة رأس الإنسان، وهناك أنواع أخرى من القمل تعيش على شعر الجسد وشعر العانة أيضًا ويصاب الطفل الصغير بهذه الحشرة كعدى من أطفال آخرين، أو من الخدم في المنزل، وبالذات من يأتون من الريف، ففي الريف يتعايش القمل والبراغيت مع الإنسان، ويتعود عليه، حتى أنهم لا يشعرون بأي انزعاج لهذا التعايش، فهم رفقاء سواء رضينا أم لم نرض.

وعند الإصابة بالقمل فإن القملة الأم تبيض البويضات على الشعر، وقمة الأمومة تتمثل في شدة محافظتها على فلذات أكبادها بحيث إنها حتى لو أبيدت هي فإن هذه الفلذات تبقى ولذا فهي تفرز مادة قوية جدًا حول البويضة تصنع جدارًا يمنع اختراق أي مبيد حشري، وتقوم بلصق هذه البويضات بمادة صمغية قوية جدًا من الصعب إزالتها من على الشعر، ولا تنزعجي يا صديقتي اللأم، فليس من العار إصابة أطفالك بقمل الرأس، ولكنها عدوى لا ينجو منها حتى الأطفال الذين يعيشون في القصور والمنازل الفاخرة، ولا تعني الإصابة بقمل الرأس أن الصغير قذر وغير معتني به فهي إصابة قريبة الشبه بإصابة الصغير بنزلة برد عادية.

ويعشق قمل الرأس مجموعات الأطفال الذين يلعبون متقاربين ورؤسهم ملتصقة إذن كل الصغار معرضون للإصابة، وحتى في الدول الراقية المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ الإصابة بهذه العدوى حوالي عشرة ملايين حالة في السنة، وحوالي ثلاثة أرباع هذه الحالات في الأطفال دون سن العاشرة.

والآن قبل استشارة الطبيب، سأعلمك كيفية التشخيص ومعرفة الإصابة بهذه العدوى.

قد تأتي الأم شغالة صغيرة من الريف ولا تجدها تهرش البتة في رأسها ولكن الصغير المرفه النظيف الذي تزوره القملة حتى ولو واحدة فقط لأول مرة تحدث له نوبة شديدة من الهرش والحكة وبالذات عند مؤخرة الرأس والرقبة وعن رؤية صغيرك يحك في عصبية تدق أجراس الخطر ويجب أن تبدأ الأم الواعية الفحص.

وليس من السهل رؤية القملة البالغة ولكن الذي يمكن رؤيته هو بويضات القمل أو ما يطلق عليه العامة «الصبئان» وهذه البويضة الصغيرة من السهل التعرف عليها، فلونها أبيض يميل إلى الرمادي، وشكلها بيضاوي، وما يميزها التصاقها بمتانة بالشعر ومن الصعب فصلها عن الشعر، ولكن نقرب منظرها فهي تبدو كحبة السمسم الصغيرة وعند غسلها أو نفخها لن تتطاير مثل قشر الشعر.

وبعد التشخيص ماذا تفعلين يا صديقتي الأم؟

إن العلاج يحتاج إلى وقت وصبر، ولن تختفي الأم الحنون وأبناؤها بين يوم وليلة، فهي توزعهم بكثرة في رأس الصغير، وتبيض القملة الأم الواحدة مئات من البويضات أعلم أنك الآن مضطربة وتشعرين بالخجل، ولكن أكرر أن هذا ليس عارًا على أمومتك، وأول خطوة يجب أن تتخذيها هي التفاهم مع الصغير، وشرح ما يصيبه وأسباب الإصابة، ويجب على الأم طمأنة الصغير أن لا ذنب له.

ويبدأ العلاج بإبادة القمل البالغ الكبير وهناك منتجات تباع في الصيدليات، مثل منتجات البنزيل بنزوات وبعض الزيوت التي تحتوي على مادة البيريترويد،واحذر تحذيرا شديدا من استعمال المبيدات الحشرية العادية لما تحتوي عليه من مواد خطر، تؤذي العين والجهاز العصبي والمركزي.

وتوجد أيضًا بعض الشامبوهات التي تحتوي على مركبات تبيد القمل البالغ، ولكن يجب أيضا استعمالها بحذر وحرص شديدين.

هل يجب قص الشعر؟

طبعا سيكون تنظيف الشعر من البويضات القمل أسهل إذا كان قصيرًا، والشعر القصير أيضًا أسهل في الوقاية بعد ذلك، ولكن إذا قص الشعر سيضر بنفسية الصغير فمن الممكن عدم اللجوء لهذاز

وبعد وضع المواد المبيدة يجب غسل الشعر على الحوض حتى نتفادى احتكاك المواد الكيماوية ببقية الجسد، وعلينا تحاشي احتكاكها بالعين.

والآن تبدأ المهمة الصعبة: قتل الأمهات مهمة سهلة جدًا بالطرق السابقة، ولذا تعتقد الأم أن المشكلة قد انتهت، ولكن لنعلم أن كل بويضة ملتصقة بالشعر سيتولد منها حشرة كاملة، وليس هناك وسيلة للتخلص من البويضات أو الصبئان إلا بأن نقلد القردة الأم والتي نراها في حديقة الحيوان وهي تُفلي صغارها بعناية ودقة من الحشرات الصغيرة فلنقلدها بالصبر والجلوس في منطقة جيدة الإنارة للبدء في تنقية رأس الصغير من هؤلاء الأعداء.

ومن الممكن استعمال مشط ضيق الأسنان (فلاية) وفي الدول المتقدمة تم اختراع مشط الكتروني يزيل الصبئان ويصدر صوتا عند التخلص منها ومن الممكن أيضًا استعمال فرشاة أسنان وبعض من الكحول أو الخل لإزالة البويضات.

علاج العائلة بأكملها

عند إصابة أي صغير بالقمل علينا البحث عن إصابة بقية الصغار، ولتنظر الأم في شعرها هي أيضًا، وذلك لسهولة انتقال القمل بين أبناء الأسرة الواحدة لكثرة التعامل، وإذا وجد في أي شخص يجب علينا اتباع نفس الوسائل للعلاج.

غسل جميع ملابس الصغير وبالذات أغطية الرأس والملاءات وأغطية الوسائد والفوط بالماء الساخن وتعريضها لأشعة الشمس.

ويجب على الأم أيضًا غسل الأمشاط والفرش في ماء ساخن لمدة عشر دقائق، وهنا أريد التنبيه على أنه يجب على الأم فحص لعب الصغير، بالذات الدبب والقطط الصغيرة ذات الفرو وغسلها أيضًا لأن القملة لا تستطيع التعايش خارج شعر الإنسان لمدة أكثر من أربع وعشرين ساعة ولكن تأخذ البويضات حوالي أسبوع حتى تنضج فإبعاد هذه اللعب لمدة أسبوعين سيؤدي إلى الوقاية من تكرار العدوى.

وأخيرًا… علمي الصغير ألا يستعمل أشياء أصدقائه، بالذات الملابس وأغطيه الرأس وفرش الشعر، وحتى سماعات أجهزة التسجيل، وعلينا شرح كيفية انتقال العدوى للصغار حتى يحاول تفاديها.

 

د. نانسي عبد العزيز سليمان

أستاذ طب الأطفال

جامعة عين شمس

 

*جميع الحقوق محفوظة

 

عالج ابنك حتي يصل الطبيب


اترك تعليقاً