القصة طويلة، بس إن شاء الله هتعجبكوا.. أصل فيها وجع كتير أوي، بس بفضل الله الفرح أكبر..
يحيى ده هو البطل إللي هكلِّمكم عنه؛ هو ولد شقي من وهو في بطني، رُزِقت قبله بخديجة، وبعدين الدكتور -وأنا حامل في يحيى- قالّي: “ده ولد”.. قلت: “بس.. كده تمام.. رُزِقت ولد وبنت.. يا رب قدَّرني على تربيتهم”.
بس الموضوع سهل، أصلي مُدرسة وبحب الولاد، وبموت في التنطيط معاهم. وتبدأ الحدوتة، وتتخانق واحدة صاحبتي وأروح معاها المدرسة، علشان نحل الموضوع، فيصر صاحب المدرسة على أن أعمل معهم، وأقول: “الولد ست شهور!، بس ماشي.. أنزل، وأحُطُّه في البيبي روم”. وأول مرة أشوف مدرسة فيها مكان لذوي الاحتياجات الخاصة، وأبص عليهم وأقول: “الحمد لله الذي عافانا”، وأروح آخُد ابني إللي عنده ست شهور علشان نرَوَّح، وألاقيهم بيقولوا: “يا مِس، ابن حضرتك مش بيعبَّرنا ليه لما بنِنده عليه؟، ودايمًا بيتحرك كتير، وكل لما نِنده اسمه مش بيبُص”!
ساعتها اتصاحبت على دكتورة في قسم الاحتياجات الخاصة، فقالتلي: “روحي اكشفي على ودانُه”، وأروح فعلًا، ويقولوا: “عنده مياه خلف طبلة الأذن”!
الفقره الأهم إني لما بحثت على جوجل بإني بنده على ابني إللي عنده تسع شهور مش بيرد عليّا، وتطلعلي: “ما هي العلامات المبكرة للتوحد؟”، وأترعب بقى، وأتصل بكل الناس إللي أعرفهم، وأقرر آخُد معاد مع أكبر دكتورة في مصر، وبمنتهى البرود غرست سكينة في قلبي.. “ابنك عنده توحد“.
وترن الكلمة في ودني.. عنده إيه؟ توحد!! وأقعد على الإنترنت، وأبحث وأقول لنفسي: “أكيد بالدوا هيخف.. معلش، ما هي خديجة كان عندها حساسية وخفت”.. وكل لما أقرا أتفزع، وأتخض، وأموت من الخوف! يعني عمره ما هيبقى زي الولاد؟! مش هيقولّي: “يا ماما”؟! مش هيروح المدرسة؟! هعمل إيه؟!!
ما هو التوحد؟ هو مرض لا يمكن الشفاء منه، إنه ليس مرض، بل اضطراب! آه والله ده إللي كان مكتوب وحسبي الله ونعم الوكيل. بس شوية عياط على انهيار على اكتئاب، وبعدها خلاااااص.. لازم أشوف هعمل إيه؟ أول حاجة يحيى مش بيبُص! طب أنا عاوزاه يبُص.. أعمل إيه؟ أغيَّر في طبقات صوتي، ألبس توكة فوق شعري بتتهز، أمضُغ لبانة وأعملها بالونة وأخلّيه يفرقعها!
إيه تاني؟ مش بيرد ولا كإنه سامعني! ألغي التليفزيون من البيت، ونخرج في النادي وأدّيلُه أوامر ينفذها. إنتوا بتقروا وفاكرين الكلام ده سهل يتحقق، بس أمهات الأولاد هتفهم إنه صعب جدًّا أعلمه اسمه، وأبدأ التخاطب، وتنمية المهارات، والالتزام والصبر.. دول هما أصدقائي في الرحلة.
قال “ماما”! أخيييييرًا قال “ماما”! كنت طايرة من السعادة. وهنا بقى تبدأ قصة التواليت.. عاوزين نتخلص من البامبرز، طب أعمل إيه؟ بلالين في الحمام، وقصص بصور، وستيكرز، و “برافو.. هايل يا يحيى، إنت أذكى ولد شفته في حياتي”. طبعًا كانت فيه ليالي كنت معيَّطة فيها وهموت -بالذات لما ييجوا عيلتنا يزوروه- وأنا أسأل: “إمتى هنعدي كل ده؟”، وأقول لنفسي: “اصبري.. كله إن شاء الله هيعدي”.
تولِّت أمي قصة الدعاء، وتخصيص ركعتين بعد الفجر يوميًّا ليحيى، والدعاء له بالشفاء. وتمُر أول سنة، وأذهب لنفس الطبيبة، وتقول: “لا مش توحد”!، وأرد أقولها: “إنتي عيّشتيني سنة مش هقدر أوصفهالك.. أحزن أيام وأفرح أيام”. يحيى قال “ماما، وبابا”، وكلام كتير الحمد لله.. طب وبعدين؟ هو أنا هفضل كده كل يوم؟! طب أنا نفسي أفهم إيه إللي بيحصل جوّاه؟ ومن هنا قررت أدرس.. أيوة، أدرس.
رحت جامعة عين شمس، قالولي: “إنتي خريجة آداب إنجليزي مش تربية، ولازم تعملي دبلومة عامة ودبلومة خاصة، وبعدين تبدأي تمهيدي ماجيستير”! كان كلام في منتهي الإحباط، ومشيت وقلت: “يا رب عِنّي ونَوَّر بصيرتي”. وعرفت بعدها إن الجامعه الأمريكية فاتحة دبلومة للاحتياحات الخاصة، قلت خلاص هبدأ، وأروح وأعدي اختبار الإنجليزي، بس العدد مش مكَمِّل!!
ولا يهمِّني.. أَلِف على كل إللي أعرفهم وأقولهم، وكمان أكلِّم مراكز لو عاوزين المُعالجين ياخدوا الدبلومة، وأخيرًا نكمل عشرة، ونبدأ الدراسة، وأفهم حاجات كتير ماكنتش فاهماها. المدارس وعذابها كانت قصة أخرى، تغيير مدرستين بسبب السلوك والتالتة قلت: “لا مابِدَّهاش”.. سِبت كل حاجة، وقلت “أنا هشتغل معاه”.. سِبت شغلي وقلت: “أنا عاوزة أبقى قريبة منه، علشان أساعده”.. و قد كان.
رُحت اشتغلت في الفصل إللي قدامه، وبقيت أحُط إيدي على العيوب إللي بشوفها، وأشوف هنحِلَّها إزاي؟ اتصاحبت على كل الناس إللي بيدَرِّسوله، وبفضل الله بقى ابني أول واحد على الفصل بعد الطرد من المدارس السابقة. وبمجهود جبار في كل الأمور الحمد لله بقى أحسن. أيوه لسه عندنا مشاكل، بس هو أنا كنت أطول إللي إحنا وصلنالُه ده!
“أعمل إيه؟”.. سؤال كل أم..
1 وقَّفي التليفزيون.. ولا طيور الجنة ولا عصافير الجنة.
2 ارغي طول ما إنتي قاعدة في أي حاجة حواليكي.
3 استخدمي كروت وصور على كل حاجة، واسحبيها تدريجيًّا.
4 ثقي فيه.. هو ذكي، وسامعك، وهيتكلم إن شاء الله.
5 الدعاء يغير القدر.
6 قوليها لنفسك كتير: “ابني هيبقى حاجة جميلة إن شاء الله”.
7 إوعي تتكسفي من تصرفاته، وطُظ في الناس إللي هتعطلك أو توقفه.
8 هو هدفك.. هو أهم وأغلى حاجة.
آخر حاجه عاوزة أقولها.. ابنك أغلى حاجة عندك، إوعي حد يحبطك ويقولِّك: “أصله بركة في البيت”، ولّا: “هو مش هيخف”.. أنا اتقالّي الكلام ده في وشي، بس ولا يهمك.
آخر كلمة دي ليحيى.. إنت روحي وبطلي، وإن شاء الله هتبقى أحلى مهندس في الدنيا.
وظني فيك يا ربي جميل..
السلام عليكم..
ياسمين طه – أم يحي
مواضيع أخري اخترناها لك:
photo credit: Bigstock




اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.