فن التفويضPosted by on

فن التفويض

“محدش هيعرف يرتب البيت زيي”“لازم أنا إللي أعملها بإيدي”“مبيكلوش غير من طبيخي”…. “لازم أفضل واقفة على إيدها لحد ما تخلص”…

 

هل ترددين كثيرا أيا من هذه الجمل؟

هل تفضلين دائما القيام بكل شيء بنفسك؟ تشترين الطلبات وتنتقين الخضروات .. تنظفين كل الغرف وتغسلين الأواني .. تطهين الطعام .. تذاكرين للأطفال .. تقومين بكل هذه المهام وغيرها من الألف إلى الياء وحيدة ولا تقبلين المساعدة بحجة أنه لا أحد يستطيع القيام بها مثلك .. ولا أحد يعرف أماكن الأشياء غيرك.. أو لا أحد يهتم بالنظافة مثلك، أو أي سبب آخر مشابه ..

أنت إذا نموذج لكثير من الأمهات اللاتي يتفانين – مشكورات – في القيام بكل صغيرة وكبيرة بأنفسهن.. والسبب غالبا أنهن لا يثقن في أحد .. والسبب أيضا أنهن لا يجدن فن “التفويض” .. تفويض الآخرين ممن حولك للقيام ببعض المهام ليتم انجازها على نحو أفضل وليسود الأسرة جومن التعاون والتفهم ..

إليك بعض الأشياء التي تتسببين فيها برفضك فكرة التفويض ..

على مستوى إنجاز المهام .. من المستحيل أن يقوم شخص طبيعي بهذا الكم من المهام بالكامل وبإتقان تام .. فالذي سيحدث حقيقة إما أن تنجز المهام كلها ولكن على نحو غير جيد .. وإما أن تسقط منك بعض المهام بسبب عدم توافر وقت كافي لإنجازها .. وفي الحالتين سيتنامى عند أسرتك الإحساس بتقصيرك رغم كل ما تبذلين من جهد .. فهذا لا يجد قميصه الذي ألقاه في سلة الغسيل منذ أسبوع، وهذا عاد إلى المنزل ووجد أن الطعام لم ينضج بعد .. وهذه متعثرة في دراستها ولا تجدين وقتا لمساعدتها ..سيضيقون هم بتقصيرك في تلك المهام التي اعتادوا منك القيام بها، وستضيقين أنت بعدم تقديرهم لما تقومين به، وعدم إلتماسهم الأعذار لك.

وما سيحدث بالنسبة لك .. ستصلين بعد فترة من الوقت إلى حالة من الإنهاك والاكتئاب والسخط أنه لا أحد يقدر ولا أحد يساعد .. وستسقط منك في هذه المرحلة من الإنهاك بعض المهام فيزداد اكتئابك وحزنك .. وستحاولين حينها الخروج من هذه الحالة ببعض الراحة.. وحين تتعافين ستعودين إلى نفس الآداء المتفاني والعمل المتواصل، لتعودي بعد فترة إلى حالة الانهاك تلك مرة أخرى، لتسقط منك المهام أيضا مرة أخرى .. وتظلين في تلك الدائرة..

أما أهل بيتك، وخاصة أبنائك فسلوكك هذا سيكون له تأثير مباشر وطويل الأمد على شخصياتهم.. فما سيحدث أنك بعدم ثقتك في قدرتهم على المساعدة أو على القيام ببعض المهام بدلا منك سيتسبب في قلة ثقتهم في أنفسهم .. وسيؤمنون دائما أن أي شيء يقومون به بمفردهم وبدون تدخلك ومساعدتك سيخرج منقوصا وغير متقن، حتى ولو كانت الحقيقة غير ذلك .. فأنت زرعت فيهم الإحساس بأنهم غير قادرين على الإنجاز، وأنك وحدك تجدين فعل كل شيء وأنهم غير جديرين بالإعتماد عليهم ..

إنها مسؤوليتك أن تزرعي جوا من التعاون بين أفراد أسرتك.. وأن تقسمي المهام بين كل فرد من أفراد الأسرة .. سيكون عليك في البداية شرح بعض المهام وكيفية القيام بها على النحو الأمثل، وسيكون عليك أحيانا أن تشاركي في إنجاز مهمة ما .. ولكن بعد فترة من الوقت سيتقن كل منهم دوره، ولن يكون عليك متابعته أثناء قيامه بها، وهذا سيمنحه ثقة كبيرة في قدراته.. وسيمنحك الكثير من راحة البال.

فلتبدأي بتنفيذ هذه الفكرة حتى مع أطفالك الصغار .. فالحقيقة أن الأطفال في سن صغيرة، وهم يخطون أولى خطواتهم في الحياة، يحتاجوا جدا للإحساس بأنهم أعضاء فاعلين داخل المنزل .. ويكونوا في منتهى السعادة حين يطلب منهم أي مهمة بسيطة .. كأن يضعوا شيئا في مكانه .. أو يجمعوا الألعاب في صندوق.. وتتطور المهام شيئا فشيئا مع تقدمهم في السن .. ينظفوا الطاولة .. يقومون بغسل أكوابهم أو غسل الخضروات .. يشاركون في عمل وجبة بسيطة، أو في خبز كعكة .. أو يرتبوا أسرتهم ..

والأم الناجحة هي التي تكتشف مهارات كل فرد من أفراد أسرتها، وأي عمل يبرع في تنفيذه دون غيره، وتوظفه في المكان الصحيح .. ثم حين يتقن مهامه تعطيه قدرا كبيرا من الثقة، وتكف عن توجيهه بإستمرار وتطلق له العنان ليبدع كما يريد بدون ضغوط وأوامر دائمة ..

وسيمنحك هذا السلوك بعض الوقت لتقومي أنت بمهامك على أفضل ما يكون، وكي ترتاحي وتسترخي لبعض الوقت وتتحرري من بعض الضغوط التي كانت تتسبب في ضيقك الدائم وشعورك بالتقصير..

امنحي أسرتك وأحبائك الثقة .. لتخرجي إلى المجتمع أعضاءا فاعلين واثقين في قدراتهم وقادرين على التغيير .. وثقي بأن هذا السلوك وإن كان ثقيلا عليك في البداية .. إلا أنه سيمنحك وأسرتك الكثير من الحب المتبادل والتفهم والمشاعر الإيجابية .. والكثير من المهام المنجزة على أفضل وجه.

 

ياسمين نعمان

 

مواضيع أخري اخترناها لك:

أسطورة المرأة الخارقة

بيت مرتب أم أسرة سعيدة؟

 

Photo credit: Bigstock

 

دانتل

اترك تعليقاً