.
اتربت جدتي ذات السبعين خريفا في حقبة من الزمان اللي بيطلق عليها النهاردة الزمن الجميل. جدتي بتوصف أيام زمان إنها أيام الشياكة والأناقة و البيوت الواسعة و الخدم و الرفاهية و, و , و …(و بارضه كل لما تحكيلي أنا باقعد أقارن زماننا ده أنه على كده مافيهوش شياكة ولا بيوت واسعة و لا خدم ولا رفاهية و صعب و متعب و و و). فبيتبني عندي إحساس من الضيق مكون من حقد ممزوج بالغيرة زائد شفقة على نفسي و حالي و المرمطة إللي أنا وصلتلها. ياللا, أرزاق, حنقول إيه!
يوصف الزمن ده كمان بإنه زمن الأفلام الأبيض و أسود, زمن الكلاسيكيات. طب بالتالي إحنا أفلامنا النهاردة ألوان 3Dو دي حاجة مبهجة و لطيفة أكيد أكتر بكتير و كمان ماباقيناش كلاسيك بل تطورنا في حاجات كتير من تكنولوجيا لموضة لعادات جديدة و هكذا. يبقى المفروض نكون إحنا أبناء الزمن الجميل..بس برضه مهما حاولت لايزال زمان منتصف القرن الماضي هو في أذهان الكثيرين يوصف تلقائيا بإنه بالزمن الجميل!
ماشي, جميل جميل, المهم جاتلي عميلة في استشارة و كانت قصتها من نوعية أول مرة أتعرضلها. بدأت و حكت قصة تربيتها كانت ملامح القصة أشبه بتربية واحدة عايشة في الزمن الجميل, واحدة زي جدتي: بنوتة عاشت في محافظة غير العاصمة وسط عدة إخوات كلهم صبيان و حرصوا جدا الأب و الأم في تربيتها إنها تكون بنت لا يشوبها شائبة فهي دلوعة البيت, البنوتة الوحيدة, الجوهرة المصونة إللي الكل هيحافظ عليها. فكانت لاتخرج إلا للضرورة وكل حاجة هي اللي تجيلها. كان الكل في خدمتها فهي بنت… أمال لازمة الصبيان إيه؟؟ لما تحتاج حاجة تجيلها, لما تحتاج تنزل في أكتر من واحد يوصلها. زي ايام زمان بالظبط. البنت ماتعملش حاجة و تدلع والولد يشيل و يتربى و هكذا. كانت دنيتها عبارة عن مشوارين لا أكثر: من البيت للمدرسة و من المدرسة للبيت و نفس الشئ لما دخلت الكلية. ده كل اللي تعرفه عن مجتمعها و هي دي الدايرة الوحيدة اللي هي عايشة فيها. كبرت البنوتة و جالها العريس المناسب و بالفعل تزوجته. و بدأت الحياة السعيدة اللي بطلتها البنت المؤدبة الخجولة البيتوتة و الزوج المتدين الخلوق. و مرت الأيام و الحياة ماشية و الزوج الطموح بيتطور في حياته أكاديميا و عمليا و سافر بره مصر ليواكب تطورات حياته العملية ليتعرض لمجتمع جديد و حياة جديدة. ووجدت البنوتة (اللي خلاص مابقتش بنوتة) نفسها مطلوب منها مهمام كبيرة و هي لوحدها معتمدةً على نفسها إنها تربي الأبناء و تاخد بالها من البيت و تلبي رغبات و إحتياجات الحياة النهاردة من مشاوير الأولاد و مدارسهم للمصالح حكومية و صعوبتها لإحتياجات زوجها وطلباته وهو بالخارج الخ الخ الخ…وجدت نفسها عاجزة… تصف نفسها بإنها ضعيفة وقليلة الحيرة. أبسط إستنتاج و ترجمة للمشقة اللي هي فيها إنها قليلة الخبرة. تقول شاكيةً: “انا بافشل في حاجات كتير و جوزي بيطلب مني طلبات مش باعرف أعملها. ماعرفش اروح الأماكن دي لواحدي ولا أعرف أتعامل مع الناس. أنا عمري ما عملت المهام دي ولا عمري اتكلمت في أي حاجة بره البيت والطبيخ وأعمال المنزل. نفسي يكون عندي مجتمع و ناس مختلفة أتكلم معاهم في أمور الدنيا, السياسة, الشوبينج…كل ده أنا ماعرفهوش”.
المشكلة عند الزوجة ماباقتش إنها مش عارفة تنزل و تييجي و بس, المشكلة كبرت و تعدت المجال ده و أصبحت في علاقتها بزوجها. زوجها يختلف عنها كليا: عنده إستعداد لمواكبة كل ماهو جديد و مختلف, محب للإطلاع و محب للتعرض لثقافات و عوالم جديدة. تستكمل هي قائلة: “جوزي صبور عليا لأنه بيحبني جدا, و حاول معايا كتير إنه يساعدني أطور من نفسي و أنفتح على المجتمع اللي حواليا, حتى إنه جابلي ناس من زملائه و زوجاتهم في البيت لما زرته في البلد اللي بيشتغل فيها, لكني خجولة جدا و ما عرفتش أتكلم مع الناس. حاول يفسحني و يفرجني الدنيا, لكني مش باتبسط من كتر ما أنا خايفة طول الوقت لحسن أكون مش قد توقعاته مني”.
سبتها تتكلم و حكت كل مشاكلها و أنا طول الجلسة وبعدها باعمل حاجة واحدة بس: إسقاط هذا القصة على تربيتي لبناتي!! سألت نفسي أكتر من مرة: هل الصح إني أربي بناتي على إنهن الجوهرة المكنونة المصانة و أبعدهن تماما عن المجتمع حفاظا عليهن؟ هل الصح فعلا إن بناتي النهاردة أربيهم بنفس الطريقة اللي إتربت عليها جدتي أحسن واحدة بتطبخ و أحسن واحدة تاخد بالها من بيتها ومنين مانروح يكون البيت فلة ومافيهوش غلطة؟ هل ينفع النهاردة أكرر تجربة بطلة قصتنا؟؟ و بصراحة ماخفيش عليكوا, بطلة القصة صعبانه عليا جدا لولا إني مقدرة جدا و فخورة بمحاولتها للتغيير و رغبتها في التطوير و حرصها على إنقاذ بيتها من الإنهيار لإتساع الفجوة العميقة بينها و بين زوجها, و أنا متأكدة إن شاء الله إنها حتوصل لأنها عايزة و عندها إرادة. لكن هل ينفع النهاردة أربي بناتي كده؟؟ أعتقد الإجابة أصبحت واضحة: إذا كان الزمن الجميل هي دي تربيته و هي دي ملامحة فأنا عايزة أقوله أنا آسفة. إنت يمكن كنت جميل و هتفضل جميل في أذهان من عاشوك وعاصروك فقط. لكن إسمحلي, إنت النهاردة مابقتش جميل بالنسبة لنا, مابقتش تصلحلنا, إحنا أصحاب الزمن ده. إحنا اللي زمنا جميل, زمن البنت الجدعة المتعلمة المتطورة اللي بتواكب كل تغيير. البنت الشهمة المعتمدة على نفسها مش على إخواتها ولا أبوها عشان تقضي مصالحها و مشاويرها بنفسها. زمن البنت المؤدبة المتدينة القوية بشخصيتها و مواصفتها اللي هي ترتضيها لنفسها مش اللي بيمليها عليها حد. زمن البنت الفاخورة بإنجازاتها و أفعالها و شايفة تقدير الناس ليها و تشجيعهم لأعمالها. أيوة هو ده اللي ينفع النهاردة, هو ده اللي أنا نويت أعمله, و إن كنت أنت الزمن الجميل فأنا بنفسي هاخلي زمانا الأجمل.
فتكم بعافية
سارة سليمان
ميتا كوتش و مدربة علاقات زوجية
[اقرئي أيضا: حتي لا يضيع عمرك]
[اقرئي أيضا: خافي علي صغيرك يصبح رجلا]
[اقرئي أيضا: 9 أشياء لا تشتريها النقود]
The photo is edited – Original Photo credit: Image Point Photo/bigstock


Hala
كأنك بتحكي قصتي بنفس البداية و لكن نهاية مختلفة. نشأت في دولة خليجية و مجتمع مغلق و أهلي كانوا قافلين عليا اكني حاتجوز في الشقة اللي قدامهم مفيش حياة حاتعرض لها.نزلت مصر اول سنة في الكلية كنت باتوه في الشوارع و ماما تصر توصلني لحد ما سافرت لاخواتي. و انا كان عندي إصرار اني اتعلم و أعيش حياتي. اتعلمت كل الخبرات اللي فاتتني و اشتركت في أنشطة الكلية و طلعت الرحلات. بنيت شخصيتي من أول و جديد لدرجة اني اتعلمت السواقة و طلعت رخصة و المؤسف أن كل ده على غير هواهم و رضاهم لأنه غريب عن تفكيرهم مع اني ما عملتش أي حاجة غلط. تفكيري هو اللي طلع صح. اتخرجت و اشتغلت في شركة اجنبية و اللي اهلني مش مجموعي لا المهارات الشخصية اللي اكتسبتها من الكلام الفاضي على حد قولهم. القصة ليها تكملة امي مرضت مرضا عضالا و انا اللي شيلتها في مرضها و اتعلمت ما لا يتحمله الرجال الأقوياء. و في النهاية توفاها الله و انا عندي ٣٠ سنة.و بعدها بسنة زوجي سافر و ترك لي مسؤولية الأولاد و الحمد لله ربنا يقدرني.عرفت في النهاية أن ربنا يقدر الأسباب و أنه اختار لي الطريق الصح اللي يا ريت ما كانوش عارضوني فيه و أدوني إحساس اني البنت العاقة.صدق على بن ابى طالب عندما قال [لا تجبروا أبنائكم على اخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم]